فصل: (سورة قريش: الآيات 1- 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {لإيلاف قُرَيْشٍ إيلافهم}
قرأ ابن عامر لإلاف قريش، بغير ياء بعد الهمزة، والباقون بياء قبلها همزة، ومعناهما واحد، وهذا موصول بما قبله.
يعني: أن الله تعالى، أهلك أصحاب الفيل لإيلاف قريش، يعني: لتقر قريش بالحرم، ويجاورون البيت.
فقال عز وجل: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} لإيلاف قريش يعني: فعل ذلك، ليؤلف قريشًا بهاتين الرحلتين، اللتين بهما عيشهم ومقامهم بمكة.
وقال أهل اللغة: ألفت موضع كذا، أي: لزمته وألفينه الله.
كما يقال: لزمته موضع كذا، ألزمنيه الله.
وكرر لإيلاف على معنى التأكيد، كما يقال: أعطيتك المال لصيانة وجهك، وصيانتك عن جميع الناس.
وقال مجاهد: لئلاف قريش، يعني: لنعمتي على قريش، وقال سعيد بن جبير، أذكر نعمتي على قريش، ويقال: معناه لا يشق عليهم التوحيد، كما لا يشق عليهم {رِحْلَةَ الشتاء والصيف} قال مقاتل وذلك أن قريشًا، كانوا تجارًا، وكانوا يمتارون في الشتاء من الأردن وفلسطين، لأن ساحل البحر كان أدناها، فإذا كان الصيف تركوا طريق الشام، وأخذوا طريق اليمن، فشق ذلك عليهم، فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة، حتى حملوا الطعام في السفن إلى مكة للبيع، وجعل أهل مكة يخرجون إليهم على مسيرة ليلة، ويشترون فكفاهم الله تعالى مؤونة الشتاء والصيف.
{فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت} لأن رب هذا البيت، كفاهم مؤونة الخوف والجوع، فليألفوا العبادة، كما ألفوا رحلة الشتاء والصيف وقال الزجاج: كانوا يترحلون في الشتاء إلى الشام، وفي الصيف إلى اليمن.
وهذا موافق لما قال مقاتل: وقال السدي في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، وهكذا قال القتبي.
وروي عن أبي العالية، أنه قال: كانوا لا يقيمون بمكة صيفًا ولا شتاءً، فأمرهم الله تعالى بالمقام عند البيت، في العبادة.
ويقال معناه: قل لهم يا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يجتمعوا على الإيمان والتوحيد، وعبادة رب هذا البيت، كاجتماعهم على رحلة الشتاء والصيف {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت} يعني: سيد وخالق هذا البيت، الذي صنع هذا الإحسان إليكم، حتى يكرمكم في الآخرة، كما أكرمكم في الدنيا {الذى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ} يعني: أشبعهم بعد الجوع الذي أصابهم، حتى جهدوا {الذى أَطْعَمَهُم مّن} يعني: من خوف الجهد، والعدو والغارة.
وقال السدي {وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ} يعني: من خوف الجذام، والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة قريش:
{لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ}.
اختلفت القراء فيها فقرأ عبد اللّه بن عامر {لألاف} مهموزًا مختلسًا بلا ياء.
وقرأ أبو جعفر {ايلاف} بغير همز وإنما ذهب إلى طلب الخفّة {لايلاف} بالياء مهموزة مشبعة، وأما قولهم: {إيلاف} فروى العمري عن أبي جعفر والبلخي عن ابن كثير {إلفهمْ} ساكنة اللام بغير ياء وتصديق هذه القراءة ما أخبرنا الحسين بن فنجويه قال: حدّثنا ابن خنيس قال: حدّثنا أبو خديجة أحمد ابن داود قال: حدّثنا محمد بن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان بن ليث عن شمر بن حوشب عن أسماء قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {إلفهم رحلة الشتاء والصيف}.
وروى الفضل بن شاذا ن بإسناده عن أبي جعفر، والوليد عن أهل الشام {إلافهم} مهموزة مختلسة بلا ياء، وروى محمد بن حبيب الحموي عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم {إلأفْهم} بهمزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة الباقون {إيلافهم}.
وأخبرني سعيد بن المعافى، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا أبو كرنب قال: حدّثنا وكيع عن أبي مكّي عن عكرمة أنه كان يقرأ {إليالف قريش الفهم}.
وعدّ بعضهم السورتين واحدة منهم أُبيّ بن كعب ولا فصل بينهما في مصحفه.
وقال سفيان بن عيينة: كان لنا أمام لا يفصل بينهما ويقرأهما معًا، وقال عمرو بن ميمون الاودي صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الأولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم تّر ولإيلاف قريش.
واختلفوا في العلّة الجالبة لهذه اللام فقال الفرّاء: هي متّصلة بالسورة الأولى وذلك أنه تعالى ذكّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما صنع بالحبشة، ثم قال: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمةً منّا على قريش أي نعمتنا عليهم في رحلتهم الشتاء والصيف، فكأنّه قال: نعمةٌ إلى نعمة فتكون اللام بمعنى (إلى).
وقال الرازي والأخفش: هي لام التعجب يقول: عجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته.
وهذا كما يقول في الكلام: لزيد وإكرامنا إيّاه، على وجه التعجب أي: أعجبُ لذلك، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجّب لإظهار الفعل فيه كقول الشاعر:
أغرَّكَ أن قالوا لقرة شاعرٌ ** افياك أباه من عريف وشاعرٌ

أي أعجبوا لقرة شاعرًا.
وقيل هي لام (كي) مجازها {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} ليؤلف قريشًا، فكان هلاك أصحاب الفيل سببًا لبقاء إيلاف قريش، ونظام حالهم واقوام ما لهم، وقال الزجّاج: هي مردودة إلى ما بعدها، تقديرهُ: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف رحلة الشتاء والصيف. وقريش هم ولد النضر بن كنانة، فمن ولده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا». وأخبرنا أبو بكر الجوزي قال: أخبرنا الرعولي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثنا أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّه عليه السلام: «إن اللّه عزّ وجلّ اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
وسمّوا قريشًا من التقرش، وهو التكسّب والتقلّب والجمع والطلب، وكانوا قومًا على المال والإفضال حراصًا.
وسأل معاوية عبد اللّه بن عباس: لِمَ سمّيت قريش قريشًا؟ فقال: لدابّة في البحر يقال لها: القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلا.
قال: وهل يعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم:
وقريش هي التي تسكن البحر ** به سميت قريش قريشا

سلطت بالعلو في لجّةِ الب ** حر على ساير البحور جيوشا

تأكل الغثّ والسمين ولا تترك فيه ** لذي جناحين ريشا

هكذا في البلاد حي قريش ** يأكلون البلاد أكلا كميشا

ولهم آخر الزمان نبيٌّ ** يُكثر القتل فيهمُ والخموشا

يملأ الأرض خيله ورجالا ** يحسرون المطيّ حسرًا كشيشا

وقوله: {إِيلاَفِهِمْ} بدل من الإيلاف الأوّل ويرخمه له، ومن أسقط الياء من الايلاف احتجَ بقول ابي طالب يوصي أبا لهب برسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
ولا تتركنه ما حييت لمعظم ** وكن رجلا ذا نجدة وعفافِ

تذود العدا عن عصبة هاشمية ** إلافهم في الناس خيرُ إلافِ

{رِحْلَةَ الشتاء والصيف} اختلفوا في وجه انتصاب الرحلة فقيل: نصبت على المصدر أي ارتحالهم رحلة، وإنْ شئت نصبته بوقوع إيلافهم عليه، وإنْ شئت على الظرف بمعنى: على رحلة، وإنْ شئت جعلتهما في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء والصيف، والأول أعجب وأحبّ إلى لأنّها مكتوبة في المصاحف بغير ياء.
وأمّا التفسير:
فروى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانوا يشتون بمكّة ويصيفون بالطائف، فأمرهم اللّه سبحانه أن يشتوا بالحرم ويعبدوا ربّ البيت.
وقال أبو صالح: كانت الشام فيها أرضٌ باردة وفيها أرض حارة، وكانوا يرتحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة وكانت لهم رحلتان كلّ عام للتجارة: أحدهما في الشتاء إلى اليمن؛ لأنها أدفأ، والأُخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم واديًا جدبًا لا زرع فيه ولا ضرع، ولا ماء ولا شجر، وإنّما كانت قريش تعيش بها بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يُتعرض لهم بسوء.
وكانوا يقولون: قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته، فلولا الرحلتان لم يكن لأحد بمكّة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرّف، فشقّ عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، وأخصبت تبالة وجرش والجند من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكّة، أهل الساحل في البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمر، فألقى أهل الساحل بجدّة وأهل البرّ بالمحصّب، وأخصبت الشام فحملوا الطعام إلى مكّة، فحمل أهل الشام إلى الأبطح، وحمل أهل اليمن إلى الجدّة، فامتاروا من قريب وكفاهم اللّه مؤونة الرحلتين وأمرهم بعبادة ربّ البيت.
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد قال: حدّثنا القاسم بن زكريّا المطرّز قال: حدّثنا محمد بن سليمان قال: حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير قال: مرَّ رسول اللّه عليه السلام ومعه أبو بكر بملَئِهم ينشدون:
يا ذا الذي طلب السماحة والندى ** هلاّ مررت بآل عبد الدارِ

هلاّ مررت بهم تريد قرأهم ** منعوك من جهد ومن إقتار

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: «أهكذا قال الشاعر يا أبا بكر؟» قال: لا، والذي بعثك بالحق، بل قال:
يا ذا الذي طلب السماحة والندى ** هلاّ مررت بآل عبد منافِ

لو أنْ مررت بهم تريد قرأهم ** منعوك من جهد ومن إيجاف

الرائشين وليس يوجد رائش ** والقائلين هلُمَّ للأضياف

والخالطين غنَّيهم بفقيرهم ** حتى يصير فقيرُهم كالكافي

والقائلين بكل وعد صادق ** ورجال مكّة مسنتين عجاف

سفرين سنّهما له ولقومه ** سفر الشتاء ورحلة الأصياف

قال الكلبي: وكان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الإبل هاشم بن عبد مناف.
{فَلْيَعْبُدُواْ} لام الأمر {رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ}. أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد قال: حدّثنا أبو الفضل عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد قال: حدّثنا جعفر قال: سمعت ابن ملك بن دينار يقول: ما سقطت أُمة من عين اللّه سبحانه إلاّ ضرب أكبادها بالجوع.
{وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} وذلك أنهم كانوا يقولون: نحن قُطّان حرم اللّه سبحانه، فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية، وإنْ كان الرجل ليصاب في الحي من أحياء العرب فقال: حرمي حرمي فيُخلّى عنه وعن ماله تعظيمًا للحرم، وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أُغير عليه.
وقال الضحّاك والربيع وشريك وسفيان: وآمنهم من الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام.
وأخبرنا أيضًا أبو الحسن المقري قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عيسى المقري البروجردي ببغداد قال: حدّثنا أبو سعيد عمر بن مرداس قال: حدّثنا محمد بن بكير الحضرمي قال: حدّثنا القاسم بن عبد الله عن أبي بكر بن محمد عن سالم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غبار المدينة يُبرئ من الجذام».
وقال علي كرم الله وجهه: وآمنهم من خوف أن تكون الخلافة إلاّ فيهم. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة قريش:
مكية.
وآياتها 4.
نزلت بعد التين.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة قريش: الآيات 1- 4]

{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) لِإِيلافِ قُرَيْشٍ متعلق بقوله لْيَعْبُدُوا}
أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين فإن قلت: فلم دخلت الفاء؟
قلت: لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى: إما لا فليعبدوه لإيلافهم،
على معنى: أنّ نعم اللّه عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة. وقيل المعنى: عجبوا لإيلاف قريش.
وقيل: هو متعلق بما قبله، أى: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين في الشعر: وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبىّ سورة واحدة بلا فصل.
وعن عمر: أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب. وقرأ في الأولى: والتين.
والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيبوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم، فلا يجترئ أحد عليهم. وكانت لقريش رحلتان: يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم اللّه وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم. والإيلاف من قولك: آلفت المكان أولفه إيلافا: إذا ألفته، فأنا مؤلف.
قال:
من المؤلفات الرّهو غير الأوارك

وقرئ: {لئلاف قريش}، أى: لمؤالفة قريش.
وقيل: يقال ألفته إلفا وإلافا.
وقرأ أبو جعفر: {لإلف قريش}، وقد جمعهما من قال:
زعمتم أنّ إخوتكم قريش لهم ** إلف وليس لكم إلاف

وقولهم (لهم إلف) استئناف لبيان كذبهم. والألف والالاف: مصدر ألفه، إذا أحبه واعتاده ولم ينفر منه. وآلف إيلافا بينهما: جعل بينهما إلفا. وقد جمعت قريش بين رحلة الشتاء والصيف، فتارة فرحل هذه وتارة هذه بلا خوف ولا فزع (أولئك) إشارة لقريش (أومنوا) مبنى للمجهول، أي آمنهم ربهم عن الجوع والخوف، وقد جاعت وخافت بنو أسد: التفت إلى الغيبة دلالة على الاعراض عنهم، وتعجيب غيرهم من شأنهم.
وقرأ عكرمة: {ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف}. و{قريش}: ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش: وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تطاق إلا بالنار.
وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضى اللّه عنهما: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعالى. وأنشد:
وقريش هي الّتي تسكن البحر ** بها سمّيت قريش قريشا

والتصغير للتعظيم.
وقيل: من القرش وهو الكسب: لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد. أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين، تفخيما لأمر الإيلاف، وتذكيرا بعظيم النعمة فيه، ونصب الرحلة بإيلافهم مفعولا به، كما نصب يَتِيمًا بإطعام، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس، كقوله:
كلوا في بعض بطنكم

وقرئ: {رحلة}، بالضم: وهي الجهة التي يرحل إليها: والتنكير في {جُوعٍ} و{خَوْفٍ} لشدتهما، يعنى: أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم.
وقيل: كانوا قد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل ذلك كله بدعاء إبراهيم صلوات اللّه عليه. ومن بدع التفاسير: وآمنهم من خوف، من أن تكون الخلافة في غيرهم. وقرئ: {من خوف}، بإخفاء النون.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة لإيلاف قريش أعطاه اللّه عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها». اهـ.